الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وأخرج السلطان منجك اليوسفي الناصري السلاح دار ليلًا من القاهرة على البخت لقتل الملك الناصر أحمد من غير مشاورة الأمراء في ذلك فوصل إلى الكرك وأدخل على الملك الناصر من أخرج الشاب من عنده ثم خنقه في ليلة رابع شهر ربيع الأول وقطع رأسه وسار من ليلته ولم يعلم الأمراء ولا العسكر بشيء من ذلك حتى أصبحوا وقد قطع منجك مسافة بعيدة. وقدم منجك بعد ثلاثة أيام قلعة الجبل ليلًا وقدم الرأس بين يدي السلطان - وكان ضخمًا مهولًا له شعر طويل - فآقشعر السلطان عند رؤيته وبات مرجوفًا وطلب الأمير قبلاي الحاجب ورسم له أن يتوجه لحفظ الكرك إلى أن يأتيه نائب لها. وكتب السلطان بعود الأمراء والعساكر المجردين إلى الكرك فكانت مدة حصار الملك الناصر بالكرك سنتين وشهرًا وثلاثة أيام. ثم قدم الأمراء المجردون إلى الكرك فخلع السلطان على الجميع وشكرهم وأكثر من الثناء عليهم. ثم خلع على الأمير ملكتمر السرجواني باستقراره في نيابة الكرك على ما كان عليه قديمًا وجهز معه عدة صناع لعمارة ما تهدم من قلعة الكرك وإعادة البرج على ما كان عليه. ورسم بأن يخرج مائة مملوك معه من مماليك قوصون وبشتك الذين كان الملك الناصر قد أسكنهم بالقلعة ورتب لهم الرواتب و أن يخرج منهم مائتان إلى دمشق وحماة وحمص وطرابلس وصفد وحلب. فأخرجوا جميعًا في يوم واحد ونساؤهم وأولادهم في بكاء وعويل وسخروا لهم خيول الطواحين ليركبوا عليها. ثم وقعت الوحشة بين الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي وبين الحاج آل ملك نائب السلطنة وصار الحجازي والعلائي معًا على آل ملك النائب. ووقع بين آل ملك والحجازي أمور يطول شرحها وكان الحجازي مولعًا بالخمر وآل الملك ينهى عن شربها فكان كلما ظفر بأحد من حواشي الحجازي مثل به فتقوم قيامة الحجازي لذلك وتفاوضا غير مرة بسبب هذا في مجلس السلطان وأرغون العلائي يميل مع الحجازي لما في نفسه من آل ملك وداما على ذلك مدة. وأما السلطان فإنه بعد مدة نزل إلى سرياقوس بتجمل زائد على العادة في كل سنة. ثم عاد إلى القلعة بعد أيام فورد عليه قصاد صاحب الروم وقصاد صاحب الغرب. ثم بدا للسلطان الحج فتهيأ لذلك وأرسل يطلب العربان وأعطاهم الأموال بسبب كراء الجمال. فتغير مزاجه في مستهل شهر ربيع الأول ولزم الفراش ولم يخرج إلى الخدمة أيامًا. وكثرت القالة بسبب ضعفه وتحسنت الأسعار. ثم أرجف بموت السلطان في بعض الأيام فأغلقت الأسواق حتى ركب الوالي والمحتسب وضربوا جماعة وشهروهم. ثم آجتمعوا الأمراء ودخلوا على السلطان وتلطفوا به حتى أبطل حركة الحج وكتب بعود طقتمر من الشام واستعادة الأموال من العربان. وما زال السلطان يتعلل إلى أن تحرك أخوه شعبان وآتفق مع عدة مماليك وقد انقطع خبر السلطان عن الأمراء. وكتب السلطان بالإفراج عن المسجونين من الأمراء وغيرهم بالأعمال وفرقت صدقات كثيرة ورتبت جماعة لقراءة " صحيح البخاري ". فقوي أمر شعبان وعزم أن يقبض على النائب فآحترز النائب منه. وأخذ أكابر الأمراء في توزيع أموالهم وحرمهم في الأماكن ودخلوا على السلطان وسألوه أن يعهد لأحد من إخوته. فطلب السلطان النائب وبقية الأمراء فلم يحضر إليه أحد منهم. وقد آتفق الأمير أرغون العلائي مع جماعة على إقامة شعبان في الملك وفرق فيهم مالًا كبيرًا فإنه كان أيضًا ابن زوجته وشقيق الملك الصالح إسماعيل لأبيه وأمه. وقام مع أرغون من الأمراء غرلو وتمر الموساوي وامتنع النائب من إقامته وصاروا حزبين فقام النائب آل ملك في الإنكار على سلطنة شعبان وقد آجتمع مع الأمراء بباب القلة وقبض ومات السلطان الملك الصالح إسماعيل في ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة وقد بلغ من العمر نحو عشرين سنة فكتم موته. وقام شعبان إلى أمه ومنع من إشاعة موت أخيه وخرج إلى أصحابه وقرر معهم أمره. فخرج طشتمر ورسلان بصل إلى منكلي بغا ليستعطفوا الأمير أرقطاي والأمير أصلم. وكان النائب والأمراء علموا من العصر أن السلطان في النزع اتفقوا على النزول من القلعة إلى بيوتهم بالقاهرة. فدخل الجماعة على أرقطاي ليستميلوه لشعبان فوعدهم بذلك. ثم دخلوا على أصلم فأجابهم وعادوا إلى شعبان وقد ظنوا أن أمرهم تم. فلما أصبحوا نهار الخميس خرج الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي وتمر الموساوي وطشتمر طلليه ومنكلي بغا الفخري وأسندمر وجلسوا بباب القلة فأتاهم الأمير أرقطاي والأمير أصلم والوزير نجم الدين محمود والأمير قماري الأستادار وطلبوا النائب فلم يحضر إليهم فمضوا كلهم إلى عنده وآستدعوا الأمير جنكلي بن البابا وآشتوروا فيمن يولوه السلطنة فأشار جنكلي أن يرسل إلى المماليك السلطانية ويسألهم من يختاروه " فإن من أختاروه رضيناه سلطانا " فعاد جوابهم مع الحاجب أنهم رضوا بشعبان سلطانًا فقاموا جميعًا ومعهم النائب إلى داخل باب القلة. وكان شعبان تخيل من دخولهم عليه وجمع المماليك وقال: " من دخل علي وجلس على الكرسي قتلته بسيفي هذا! وأنا أجلس على الكرسي حتى أبصر من يقيمني عنه ". فسير أرغون العلائي إليه وبشره وطيب خاطره ودخل الأمراء إليه وسلطنوه ولقب بالملك الكامل سيف الدين شعبان حسب ما يأتي ذكره في أول ترجمته. ولنرجع إلى بقية ترجمة الملك الصالح إسماعيل. وكان الملك الصالح سلطانًا ساكنًا عاقلًا قليل الشر كثير الخير هينًا لينًا بشوشًا وكان شكلًا حسنًا حلو الوجه أبيض بصفرة وعلى خده شامة. ولم يكن في أولاد الملك الناصر خير منه. رتب دروسًا بمدرسة جده المنصور قلاوون وجدد جماعة من الخدام بالحرم النبوي حسب ما ذكرناه في وقته. وله مآثر كثيرة بمكة واسمه مكتوب على رباط السدرة بحرم مكة. ولم يزل مثابرًا على فعل الخير حتى توفي. ولما مات رثاه الشيخ صلاح الدين الصفدي بقوله: مضى الصالح المرجو للبأس والندى ومن لم يزل يلقى المنى بالمنائح فيا ملك مصر كيف حالك بعده إذا نحن أثنينا عليك بصالح وكان الملك الصالح محببًا للرعية على مشقة كانت في أيامه من كثرة التجاريد إلى قتال أخيه الملك الناصر أحمد بالكرك وكانت السبل مخيفة. وشغف مع ذلك بالجواري السود وأفرط في محبة " اتفاق " العوادة وفي العطاء لها وقرب أرباب الملاهي وأعرض عن تدبير الملك بإقباله على النساء والمطربين حتى كان إذا ركب إلى سرحة سرياقوس أو سرحة الأهرام ركبت أمه في مائتي امرأة الأكاديش بثياب الأطلس الملون وعلى رؤوسهن الطراطير الجلد البرغالي المرصعة بالجوهر واللآلىء وبين أيديهن الخدام الطواشية من القلعة إلى السرحة. ثم تركب حظاياه الخيول العربية ويتسابقن ويركبن تارة بالكامليات الحرير ويلعبن بالكرة وكانت لهن في المواسم والأعياد وأوقات النزهة أمور من هذا النموذج. وآستولى الخدام والطواشية في أيامه على أحوال الدولة وعظم أمرهم بتحكم كبيرهم عنبر السحرتي لالاة السلطان وآقتنى عنبر السحرتي البزاة والسناقر وصار يركب إلى المطعم ويتصيد بثياب الحرير المزركشة وآتخذ له كفًا للصيد مرصعًا بالجوهر. وعمل له خاصكية وخدامًا ومماليك تركب في خدمته حتى ثقل أمره على أكابر أمراء الدولة فإنه أكثر من شراء الأملاك والتجارة في البضائع كل ذلك لكونه لالا السلطان. وأفرد له ميدانًا يلعب فيه بالكرة وتصدى لقضاء الأشغال وقصده الناس فصارت الإقطاعات والرزق والوظائف لا تقضى إلا بالخدام والنساء. وكان متحصل الدولة في أيام الملك الصالح قليلًا ومصروف العمارة كثيرًا. وكان مغرمًا بالجلوس بقاعة الدهيشة لا سيما لما ولدت منه " اتفاق " العوادة ولدًا ذكرًا عمل لها فيه مهما بلغ الغاية التي لا توصف ومع هذا كانت حياته منغصة وعيشته منكدة لم يتم سروره بالدهيشة سوى ساعة واحدة. ثم قدم عليه منجك السلاح دار برأس أخيه الملك الناصر أحمد من الكرك فلما قدم بين يديه ورآه بعد غسله اهتز وتغير لونه وذعر حتى إنه بات تلك الليلة يراه في نومه ويفزع فزعًا شديدًا. وتعلل من رؤيته وما برح يعتريه الأرق ورؤية الأحلام المزعجة وتمادى مرضه وكثر إرجافه حتى آعتراه القولنج وقوي عليه حتى مات منه في يوم الخميس المذكور ودفن عند أبيه وجده الملك المنصور قلاوون بالقبة المنصورية في ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر فكانت مدة ملكه بالديار المصرية ثلاث سنين وشهرين وأحد عشر يومًا. وقال الصفدي: ثلاث سنين وشهرًا وثمانية عشر يومًا. وتسلطن من بعده أخوه شقيقه شعبان ولقب بالكامل. وعمل للملك الصالح العزاء بالديار المصرية أيامًا كثيرة ودارت الجواري بالملاهي يضربن بالدفوف والمخدرات حواسر يبكين ويلطمن وكثر حزن الناس عليه ووجدوا عليه وجدًا عظيمًا. السنة الأولى من سلطنة الصالح إسماعيل على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. فيها توفي الشيخ الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السفاقسي المالكي في ذي الحجة. وكان إمامًا فقيهًا بارعًا أفتى ودرس سنين وله مصنفات مفيدة منها: " إعراب القرآن " و " شرح ابن الحاجب في الفقه " وغير ذلك. وكان معدودًا من علماء المالكية. وتوفي الأمير سيف الدين أرنبغا بن عبد الله الناصري ناظر طرابلس بها. وكان من أجل أمراء الدولة ومن أعيان مماليك الناصر محمد وخاصكيته وتنقل في عدة ولايات وكان معدودًا من الشجعان. وتوفي الأمير الكبير علاء الدين أيدغمش بن عبد الله الناصري الأمير آخور ثم نائب حلب ثم نائب الشام فجأة في بكرة يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة ودفن في آخر ميدان الحصى في تربة عفرت له هناك. وكانت مدة نيابته بحلب والشام نصف سنة وكانت موتته غريبة وهو أنه ركب في بكرة ثالث جمادى الآخرة وخرج ظاهر دمشق وأطعم طيور الصيد وعاد إلى دار السعادة وقرئت عليه قصص يسيرة ثم أكل السماط. ثم عرض طلبه والمضافين إليه وقدم جماعة وأخر جماعة ثم دخل إليه ناظر ديوانه وقرأ عليه مخازيم وحساب ومصروف ديوانه. ثم قال أيدغمش: هؤلاء الذين تزوجوا من مماليكي اقطعوا مرتبهم. ثم كل الطاري وقعد هو وابن جماز يتحدثان فسمع حس جماعة من جواريه يتخاصمن فقام وأخذ عصاه ودخل إليهن وضرب واحدة منهن ضربتين وسقط ميتًا لم يتنفس فتحير الناس في أمره فأمهلوه إلى بكرة يوم وكان أصل أيدغمش هذا من مماليك الأمير بلبان الطباخي ثم آتصل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون فجعله من جملة خاصكيته. ثم رقاه حتى جعله أمير آخور كبير بعد بيبرس الحاجب فدام في وظيفة الأمير آخورية نحو عشرين سنة. وقد استوعبنا من حاله مع قوصون وغيره قطعة جيدة في ترجمة الملك الناصر أحمد وغيره. وكان أميرًا جليلًا عاقلًا مهابًا شجاعًا مدبرًا مقدامًا كريمًا قل من دخل إليه للسلام إلا وأعطاه شيئًا. وكان مكينًا عند أستاذه الملك الناصر على أنه أنعم على أولاده الثلاثة بإمرة وهم أمير حاج ملك وأمير أحمد وأمير علي. وكان أيدغمش يميل إلى فعل الخير وله مآثر حميدة. وهو صاحب الحمام والخوخة خارج بابي زويلة رحمه الله. وتوفي الأمير ركن الدين بيبرس بن عبد الله الناصري الحاجب بدمشق في شهر رجب وهو أيضًا من المماليك الناصرية. رقاه أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار أمير مائة ومقدم ألف ثم ولاه أمير اخور مدة سنتين ثم عزله بالأمير أيدغمش المقدم ذكره وولاه الحجوبية. ثم جرده إلى اليمن فبلغه عنه أنه أخذ برطيل صاحب اليمن وتراخى في أمر السلطان فلما عاد قبض عليه وحبسه تسع سنين وثمانية أشهر إلى أن أفرج عنه في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وأخرجه إلى حلب أميرًا بها. ثم نقل إلى إمرة دمشق فما زال بها حتى مات في وتوفي الأمير سيف الدين قماري بن عبد الله الناصري أمير شكار في يوم الأحد خامس جمادى الأولى. وكان خصيصًا عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون وهو أحد من زوجه الملك الناصر بإحدى بناته بعدما أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وجعله أمير شكار. وتوفي سيف الدين طشتمر بن عبد الله الساقي الناصري المعروف بحمص أخضر مقتولًا بسيف الملك الناصر أحمد بالكرك. وكان أيضًا أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخواصه. رقاه وأمره وولاه نيابة صفد وهو الذي توجه من صفد وقبض على تنكز نائب الشام حسب ما تقدم ذكره. ثم نقله إلى نيابة حلب عوضًا عن طوغان الناصري في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة فدام بحلب حتى خرج منها إلى الروم - وقد مر ذكر ذلك كله - إلى أن قدم الديار المصرية صحبة الأمراء الشاميين وولاه الملك الناصر أحمد نيابة السلطنة. ثم قبض عليه بعد أن باشر النيابة خمسة وثلاثين يومًا وأخرجه معه إلى الكرك فقتله هناك وقتل الأمير قطلوبغا الفخري الآتي ذكره.
قال فيه الصلاح الصفدي: طوى الرش طشتمرًا بعدما بالغ في دفع الأذى ** واحترس عهدي به كان شديد القوى أشجع من يركب ظهر الفرس قلت: وهو صاحب الدار العظيمة والربع الذي بجانبها بحمرة البقر خارج القاهرة والجامع بالصحراء والمئذنة الحلزون والجامعين بالزريبة والربع الذي بالحريريين داخل القاهرة. وكان شجاعًا كريمًا كثير الإنعام والصدقات. وتوفي الأمير سليمان بن مهنا بن عيسى بن مهنا ملك العرب وأمير آل فضل بظاهر سلمية وكان من أجل ملوك العرب. وتوفي الأمير سيف الدين طينال بن عبد الله الناصري نائب غزة ونائب صفد ثم نائب طرابلس ومات وهو على نيابة صفد في يوم الجمعة رابع شهر ربيع الأول. وكان من أعيان الأمراء الناصرية. وتوفي الأمير سيف الدين قطلوبغا بن عبد الله الفخري الساقي الناصري نائب الشام مقتولًا بسيف الملك الناصر أحمد بالكرك. وكان من أكابر مماليك الناصر محمد بن قلاوون من طبقة أرغون الدوادار. قال الصفدي: لم يكن لأحد من الخاصكية ولا غيرهم إدلاله على الملك الناصر محمد ولا من يكلمه بكلامه وكان يفحش في كلامه له ويرد عليه الأجوبة الحادة المرة وهو يحتمله ولم يزل عند السلطان أثيرًا إلى أن أمسكه في نوبة إخراج أرغون إلى حلب نائبًا فلما دخل تنكز قلت: وقد سقنا من ذكره في ترجمة الملك الناصر أحمد وغيره ما فيه كفاية عن ذكره هنا ثانيًا. سمت همة الفخري حتى ترفعت على هامة الجوزاء والنسر بالنصر وكان به للملك فخر فخانه الر - - مان فأضحى ملك مصر بلا فخر وتوفي الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله الجوباني رأس نوبة. وتوفي الأمير سيف الدين بكا الخضري الناصري موسطًا بسوق الخيل في رابع شهر رجب وقد مر من ذكره نبذة في ترجمة الملك الصالح إسماعيل. وتوفي الشيخ الإمام تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد اليماني المخزومي الشافعي الأديب الكاتب بالقدس الشريف في هذه السنة عن ثلاث وستين سنة. وتوفي الشيخ الإمام الخطيب محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد أبو المعالي السلمي الشافعي خطيب بعلبك في ليلة الأربعاء تاسع شهر رمضان. ومولده في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة. وكان فاضلًا عالمًا خطيبًا فصيحًا وكتب الخط المنسوب. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وإصبعان. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا سواء. والله تعالى أعلم. وهي سنة أربع وأربعين وسبعمائة. فيها توفي قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي بن عبد الحق قاضي القضاة الحنفية بالديار المصرية وهو مقيم بدمشق. وكان إمامًا عالمًا بارعًا. أفتى ودرس سنين وناب في الحكم ثم استقل بقضاء القضاة بالديار المصرية وحسنت سيرته. وتوفي الأمير سيف الدين وقيل شمس الدين آق سنقر بن عبد الله السلاري نائب السلطنة بالديار المصرية قتيلًا بثغر الإسكندرية في السجن. وكان أصله من مماليك الأمير سلار واتصل بعده بخدمة الملك الناصر محمد بن قلاوون فرقاه إلى أن ولاه نيابة غزة ثم صفد. ثم ولي بعد موت الملك الناصر نيابة السلطنة بالديار المصرية. وقد تقدم ذكره في ترجمة الملك الصالح هذا والتعريف بأحواله وكرمه إلى أن قبض عليه وسجن ثم قتل. وكان من الكرماء الشجعان. وتوفي الأمير علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله المارداني الناصري الساقي نائب حلب بها. وكان ألطنبغا أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصكيته وأحد من شغف بمحبته ورقاه في مدة يسيرة حتى جعله أمير مائة ومقدم ألف وزوجه بابنته. ثم وقع له أمور بعد موته ذكرناها في تراجم: المنصور والأشرف والناصر والصالح أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى أن ولي نيابة حماة ثم حلب بعد الأمير طقزدمر فباشر نيابة حلب نصف سنة. وتوفي ولم يبلغ من العمر خمسًا وعشرين سنة. وكان أميرًا شابًا لطيف الذات حسن الشكل كريم الأخلاق مشهورًا بالشجاعة والكرم. وهو صاحب الجامع المعروف به خارج باب زويلة. وقد تقدم ذكر بنائه في ترجمة أستاذه الملك الناصر محمد. وتوفي الأمير الأديب علاء الدين ألطنبغا بن عبد الله الجاولي. أصله من مماليك ابن باخل. ثم صار إلى الأمير علم الدين سنجر الجاولي فجعله دواداره لما كان نائب غزة فعرف به ثم تنقلت به الأحوال حتى صار من جملة أمراء دمشق إلى أن مات بها في شهر ربيع الأول. قلت: وهو أحد فحول الشعراء من الأتراك لا أعلم أحدًا من أبناء جنسه في رتبته في نظم القريض اللهم إلا إن كان أيدمر المحيوي فيمكن. ومن شعر ألطنبغا المذكور: ردفه زاد في الثقالة حتى أقعد الخصر والقوام سويًا نهض الخصر والقوام وقاما وضعيفان يغلبان قويًا وله: وبارد الثغر حلو بمرشف فيه حوه وخصره في انتحال يبدي من الضعف قوه فديتك ما حفظت لشؤم بختي من القرآن إلا لن تراني وله: يقول لي العاذل في لومه وقوله زور وبهتان ما وجه من أحببته قبلة قلت ولا قولك قرآن وقد سقنا من شعره قطعة جيدة في تاريخنا " المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي ". وتوفي القاضي شرف الدين أبو بكر بن محمد ابن الشهاب محمود كاتب سر مصر ثم دمشق في شهر ربيع الأول. وكان فاضلًا بارعًا في صناعته وهو من بيت علم وفضل ورياسة وإنشاء. وكان فاضلًا مترسلًا رئيسًا نبيلًا وله نظم رائق ونثر لائق. ومن شعره: بعثت رسولًا للحبيب لعله يبرهن عن وجدي له ويترجم فلما رآه حار من فرط حسنه وما عاد إلا وهو فيه متيم وتوفي الأمير سيف الدين طرغاي الجاشنكير الناصري نائب حلب وطرابلس في شهر رمضان. وكان من أعيان مماليك الملك الناصر وأمرائه. وكان شجاعًا مقدامًا سيوسًا. ولي الولايات والأعمال الجليلة. وتوفي الأمير علاء الدين آقبغا عبد الواحد الناصري بحبسه بثغر الإسكندرية وقد تكرر ذكره في ترجمة أستاذه الملك الناصر في مواطن كثيرة وفي أول ترجمة الملك المنصور أبي بكر أيضًا وكيف كان القبض عليه وما وقع له من المصادرة وغير ذلك إلى أن ولي نيابة حمص ثم عزل وقبض عليه وحبس إلى أن مات. وكان أصله من مماليك الناصر محمد وأخا زوجته خوند طغاي وتولى في أيام أستاذه عدة وظائف وولايات منها أنه كان من جملة مقدمي الألوف ثم أستادارًا ثم مقدم المماليك السلطانية وشاد العمائر. وكان يندبه لكل أمر مهم فيه العجلة لمعرفته بشدة بأسه وقساوة قلبه وكثرة ظلمه. وكان من أقبح المماليك الناصرية سيرة. وهو صاحب المدرسة على يسار الداخل إلى الجامع الأزهر والدار بالقرب من الجامع المذكور. وتوفي الشيخ حسن بن تمرتاش بن جوبان متملك تبريز والعراق في شهر رجب. وكان من أعظم الملوك وكان داهية صاحب حيل ومكر وخديعة. وكان كثير العساكر من الترك وغيرها. وتوفي القاضي زين الدين إبراهيم بن عرفات بن صالح ابن أبي المنى القنائي الشافعي قاضي قنا كان فقيهًا رئيسًا كثير الأموال. كان يتصدق في كل سنة بألف وتوفي الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي. مولده بمصر في ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبعمائة ومات بحلب في الثامن من شهر ربيع الأول. وتوفي المحدث شهاب الدين أحمد ابن أبي الفرج الحلبي بمصر بعد أن حدث عن النجيب وتوفي القاضي علم الدين سليمان بن إبراهيم بن سليمان المعروف بابن المستوفي المصري ناظر الخاص بدمشق في جمادى الآخرة. وله فضيلة وشعر جيد وكان يعرف بكاتب قراسنقر فإنه كان بخدمته. وباشر عدة وظائف بدمشق: نظر البيوت ثم نظر الخاص ثم صحابة الديوان. وكان بارعًا في صناعة الحساب ويكتب الخط المليح. وله يد في النظم وقدرة على الارتجال وكان يتكلم فصيحًا باللغة التركية. ومن شعره: غرامي فيك قد أضحى غريمي وهجرك والتجني مستطاب وبلواي ملالك لا لذنب وقولك ساعة التسليم طابوا أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا. والله تعالى أعلم. السنة الثالثة من سلطنة الصالح إسماعيل وهي سنة خمس وأربعين وسبعمائة. فيها توفي قاضي القضاة العلامة جلال الدين أحمد ابن القاضي حسام الدين أبي الفضائل حسن بن أحمد بن الحسن بن أنوشروان الأنكوري الحنفي قاضي قضاة دمشق وعالمها في يوم الجمعة تاسع عشر رجب ومولده بمدينة أنكورية ببلاد الروم في سنة إحدى وخمسين وستمائة. وكان إمامًا عالمًا دينًا عارفًا بالمذهب وأصوله محققًا إمامًا في العلوم العقلية وأفتى ودرس وتصدر للإقراء في حياة والده. وولي قضاء خرتبرت وعمره سبع عشرة سنة وحمدت سيرته. ثم انتقل إلى البلاد الشامية حتى كان من أمره ما كان. وتوفي الأمير علم الدين سنجر الجاولي أحد أعيان أمراء بالديار المصرية في يوم الخميس ثامن شهر رمضان ودفن بمدرسته فوق جبل الكبش. وكان أصله من مماليك جاول أحد أمراء الملك الظاهر بيبرس. ثم اتصل بعده إلى بيت السلطان وأخرج أيام الأشرف خليل بن قلاوون إلى الكرك واستقر في جملة بحريتها. ثم قدم في أيام العادل كتبغا إلى مصر بحال زري فقدمه الأمير سلار ونوه بذكره إلى أن ولي نيابة غزة ثم عدة ولايات بعد ذلك بمصر والبلاد الشامية. وطالت أيامه في السعادة وعمر وقد مر من ذكره أشياء فيما تقدم. وهو صاحب الجامع بغزة والخليل عليه السلام وخان بيسان وخان قاقون. وكان فاضلًا فقيهًا وله مصنفات في الفقه وغيره. وتوفي الأمير سيف الدين طقصبا بن عبد الله الظاهري وقد أناف على مائة وعشرين سنة. وتوفي جمال الكفاة الرئيس جمال الدين ناظر الخاص ثم الجيش ثم المشد تحت العقوبة في ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأول. وكان ابن خالة النشو ناظر الخاص وهو الذي استسلمه وآستخدمه مستوفيًا في الدولة ثم عند بشتك ثم وقع بينهما المعاداة الصعبة على سوء ظن من النشو ولم يزالا على ذلك حتى مات النشو تحت العقوبة وولي جمال الكفاة هذا مكانه وطالت أيامه ونالته السعادة. قال الصفدي: وكان شكلًا حسنًا ظريفًا مليحًا يكتب خطًا قويًا جيدًا ويتحدث بالتركي وفيه ذوق للمعاني الأدبية ومحبة للفضلاء ولطف عشرة وكرم أخلاق ومروءة. وكان أولًا عند الأمير طيبغا القاسمي. ومدة مباشرته الخاص ست سنين تقريبًا. انتهى كلام الصفدي بآختصار. وقال غيره: وكان أولًا يباشر في بعض البساتين على بيع ثمرته وتنقل في خدمة ابن هلال الدولة ثم خدم بيدمر البحري وهو خاصكي خبزه بمحلة منوف فكتب على بابه إلى أن تأمر. ثم آنتقل بعد ذلك حتى كان من أمره ما ذكرناه. ولما صودر أخذ منه أموال كثيرة. وتوفي الشيخ الإمام العلامة فريد عصره أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف ابن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي المغربي المالكي ثم الشافعي. مولده بغرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وقرأ القرآن بالروايات وآشتغل وسمع الحديث بالأندلس وإفريقية وإسكندرية والقاهرة والحجاز وحصل الإجازات من الشام والعراق وآجتهد في طلب العلم حتى برع في النحو والتصريف وصار فيهما إمام عصره وشارك في علوم كثيرة. وكان له اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم خصوصًا المغاربة وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غوامضها وقد سقنا من أخباره وسماعاته ومشايخه ومصنفاته وشعره في ترجمته في تاريخنا " المنهل الصافي " ما يطول الشرح في ذكره هنا ومن أراد ذلك فلينظره هناك. ولنذكر هنا من شعره نبذة يسيرة بسندنا إليه: أنشدنا القاضي عبد الرحيم بن الفرات إجازة أنشدنا الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي إجازة قال: أنشدني العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه لنفسه: سبق الدمع بالمسير المطايا إذ نوى من أحب عني نقله وأجاد السطور في صفحة الخ - - د ولم لا يجيد وهو ابن مقله وله بالسند: راض حبيبي عارض قد بدا يا حسنه من عارض رائض فظن قوم أن قلبي سلا والأصل لا يعتد بالعارض إن كان ليل داج وخاننا الإصباح فنورها الوهاج يغني عن الصباح سلافة تبدو كالكوكب الأزهر مزاجها شهد وعرفها عنبر يا حبذا الورد منها وإن أسكر قلبي بها قد هاج فما تراني صاح عن ذلك المنهاج وعن هوى يا صاح وبي رشا أهيف قد لج في بعدي بدر فلا يخسف منه سنا الخد بلحظه المرهف يسطو على الأسد كسطوة الحجاج في الناس والسفاح فما ترى من ناج من لحظه السفاح علل بالمسك قلبي رشًا أحور منغم المسك ذو مبسم أعطر رياه كالمسك وريقه كوثر وهجرك الدائم قد طال بالهيمان فدمعه أمواج وسره قد لاح لكنه ما عاج ولا أطاع اللاح يارب ذي بهتان يعذل في الراح وفي هوى الغزلان دافعت بالراح وقلت لا سلوان عن ذاك يا لاحي سبع الوجوه والتاج هي منية الأفراح فآختر لي يا زجاج قمصال وزوج آقداح. قلت: ومذهبي في أبي حيان أنه عالم لا شاعر. ولم أذكر هذه الموشحة هنا لحسنها بل قصدت التعريف بنظمه بذكر هذه الموشحة لأنه أفحل شعراء المغاربة في هذا الشأن وأما الشاعر العالم هو الأرجاني وأبو العلاء المعري وابن سناء الملك. انتهى. وكانت وفاته بالقاهرة في ثامن عشرين صفر. وتوفي الأمير صلاح الدين يوسف بن أسعد الدوادار الناصري بطرابلس. وكان من أكابر الأمراء. ولي الدوادارية الكبرى في أيام الناصر محمد ثم ولي نيابة الإسكندرية ثم أخرج إلى البلاد الشامية إلى أن مات بطرابلس. وكان كاتبًا شاعرًا. وتوفي الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله البشمقدار المنصوري. كان من مماليك المنصور وتوفي الأمير سيف الدين طرنطاي المنصوري المحمدي بدمشق. وكان من جملة من وافق على قتل الأشرف خليل فسجنه الملك الناصر سبعًا وعشرين سنة ثم أفرج عنه وأخرجه إلى طرابلس أمير عشرة. وتوفي الأمير سيف الدين بلبان المنصوري الشمسي بمدينة حلب. وكان الناصر أيضًا حبسه سنين ثم أخرجه إلى حلب.
|